نشأة الميم والبانتوميم (Mime and Pantomime):
ساحاول في هذا البحث المصغر ان اعرف القارئ على كلا الموضوعين وان اشرح الفرق بين هذين النوعين من فنون المسرح وأسباب اختلاط الأمر عند البعض على أنهما فن واحد يعبر عن التمثيل الصامت. ان هذا اللبس له اصوله التاريخية التي سنتتبعها لنرى أن هذين النوعين كانا في فترات تاريخية يعبران عن نوعين من الفنون يحمل كل منهما صفاته الخاصة، وأنهما في فترات لاحقة أصبحا يعبران عن نفس الشيء مع الإيضاح بأنه في يومنا هذا لا يزال البريطانيون يفرقون بينهما. لذا سنبدأ بالحديث عن جذور المايم والبانتومايم عند الاغريق والرومان
الميم عند الاغريق وهي كلمة قديمة وتعني تقليد الحياة(Imitation of Life) قد أتت الكلمة من الكلمة الاغريقية القديمة (Mimos) وقد بدأ هذا النوع يتشكل من نفس القاعدة الاساسية التي نشأ منها المسرح وهي الرغبة والحاجة عند الانسان للتقليد واللعب وإضافة التفاصيل والزخرفة على امور الحياة اليومية.
لقد بدأ هذا الفن في مسرح ذيونوسيوس في اثينا (ذيونوسيوس عند الإغريق هو اله الخمرة والخصب والمسرح وعرف أيضا عند الرومان باسم باخوس) وقد كان يعرض أمام جمهور يزيد عن العشرة الالاف مشاهد حيث يقوم ممثلون بالتمثيل في الاماكن المفتوحة واثناء النهار. كانت هذه العروض تقام في المهرجانات السنوية على شرف الالهة وكان يصاحبها تقديم النذور للالهة والولائم. من الجدير بالذكر ان ممثلي هذا النوع لم يسمح لهم ابدا ان يصبحوا اعضاء في جمعية فنانين ذيونسيوس لأنهم كانوا اقل رتبة من الفنانين الكبار امثال اسخيليوس وسوفكليس وغيرهم. من الجدير بالذكر أن هذا النوع من الفن لم يصبح منتشرا إلا في الفترة الهليسنتية وتحديدا في مناطق شرق المتوسط ( هذه الحقبة التاريخية التي نتجت عن غزو الاسكندر المقدوني للشرق ونتيجة تزاوج الغازي الإغريقي مع الشرق سميت بالعهد الهلينستي).
يرافق هذه المسرحيات القصيرة نوعا ما التي لا يتجاوز طولها المائة بيت أوسطرالرقص وتقليد الحيوانات والطيور والغناء، ويجب الانتباه إلى أن الجوقة هي التي كانت تروي الحكاية في حين يقوم ممثلو المايم باداء الحركات والاشارات المختلفة أثناء ذلك. يعتبر هذا الفن هو أول عرض ترفيهي في التاريخ سمح للنساء بالمشاركة فيه: فنحن نعرف بأن الرجل في المسرحيات الكلاسيكية القديمة كان يقوم بدور المرأة وكان يرتدي قناعا نسائيا ليدلل على الشخصية وقد استمر الحال كذلك حتى عند الكاتب الإنجليزي الكبير "وليم شكسبير"حيث نعرف بأن الصبيان هم الذين كانوا يؤدون دور المرأة في مسرحياته التراجيدية والكوميدية.
كان المايم في بداياته عند الاغريق يسمى فليكس (Phlyakes)وكان الممثلون يرتدون ملابس حيوية مكونة من رداء الشيتون القديم (هو نفس الرداء عند الرومان والمعروف بالتونك) اضافة الى ارتدائهم اقنعة مبالغ بها.ومع أنهذا النوع كان اقرب إلى الارتجال من خلال تناول مواضيع فجة تتعلق بالحياة اليومية مثل:الضرب، السرقة، الشراهة وتقليد ممارسة الجنس، إلا أن المصادر التاريخية تؤكد وجود الكتاب الاغريق الذين كتبوا هذه المسرحيات وان تم التأكيد على ان الارتجال حول النص الاصلي بقي موجودا. من هؤلاء الكتاب: "ايبشارموس"في القرن الخامس قبل الميلاد و"سوفرون" 430ق.م و"هيرودس"الذي عاش في الاسكندرية في النصف الاول من القرن الثالث وله ثماني مسرحيات قصيرة وهيما زالت موجودة حتى يومنا هذا ومنها "الزوجة الغيورة". لقد تم العثورفي مصر في احد الحفريات على بعض ابيات من مسرحيات البانتومايم التي تؤكد على التركيز في تناول المشاهد الجنسية كوقوع المراة في حب عبدها الذي يحب عبدا آخر في نفس الوقت ولكنه يتجاوب معها أيضا وكيف ان المرأة تقرر التخلص من زوجها وذلك بعمل احتفال يحتسون فيه الخمر وبعد سريان مفعوله تقوم هي بتسميم زوجها وتنجح في تنفيذ خطتها لتبدأ بالندب أمام الجثة حتى لا يكتشف امرها، الا ان بقية القصة غير معروفة.
أصبح هذا الفن لاحقا يقدم كفواصل بين المسرحيات الكلاسيكية القديمة او عند انتهاء المسرحية.
تميز هذا الفن من حيث أداء الممثل بأنه فن الاداء الصامت لان المسرحية ممكن ان تفهم من خلال الايماءات والاشارات. وقد اشتهر الممثل الاغريقي تيليتس(Telestes) بقدرته على توصيل المعلومات من خلال حركة يديه في عام 467 ق.م.قدم اول ظهور له كممثل في مسرحية سبعة ضد طيبة وقد اشتهر على قدرته في ايصال الاحداث بالستخدام يديه فقط وان معظم المسرحية ممكن ان تفهم بدون سماع الكلمات وذلك بسبب تعابير وجهه القادرة على التوصيل وحركاته الايمائية.
المايم "فن التمثيل الصامت"الذي عرف عند الاغريق انتشرفي عهد الامبراطورية الرومانية حيث اخذ شكلين، المايم والبانتومايم . والذي سنشرح تطورهما في الحقبة الرومانية لنرى الفروقات بينهما.
إن أول من مثل المايم في العهد الروماني هو ممثل يدعى ليفيوس اندرونيكس (Livius Andronicus) الذي فقد صوته اثناء اداءه لاحدى المسرحيات الكلاسيكية القديمة فاضطر ان يستخدم الايماءات والاشارات عوضا عن الحوار.لقد كانت هذه المسرحيات أيضا في العهد الروماني تقدم في المهرجانات والاحتفالات على شرف الهة الخصب وقد تم التأكيد من قبل المؤرخين على أن ممثلات عاريات كن يشاركن في هذه العروض أيضا. اعتمد المايم الروماني ايضا على قصة قصيرة وقد رافقه كل من ابتلاع السيوف،الرقص، الغناء، الشقلبات والحركات الاكروباتية.
لقد كان المايم والبانتومايم جزءا من العرض المسرحي الروماني، وكلاهما كان صامتا ولكن الفروق الرئيسية بينهما تنحصر في النقاط التالية :
· اولا: البانتومايم اكثر تعقيد واعمق من المايم السطحي في الشكل والمضمون.
· ثانيا: ممثل المايم لا يرتدي قناعا بل يعتمد على وجهه لتوصيل التعبير والاشارات والايماءات، بينما ممثل البانتومايم يستخدم قناعا له فم ليعطينا مؤشرا للانتقال من شخصية إلى أخرى.
· ثالثا: ممثل البانتوميم هوفي الحقيقة راقص ويقوم بأداء رقص شبيه برقص الباليه الحديث – أو ما يسمى تحديدا"الباليه ميم" (الفرق الجوهري بين الباليه والباليه مايم يتلخص بأن حركة اليد أو القدم تقرأ في "الباليه مايم" مثل إشارات الصم والبكم فعلى سبيل المثال لو وضع الممثل يده على قلبه فهذا يعني كلمة الحب الخ) وعليه فإن البانتومايم الروماني يعتبرالآن المرجعية الرئيسية لفن "الباليه مايم".
· رابعا: يتم اختيار ممثلي المايم اما اعتمادا على جمال اجسامهم او لقباحتهم المضحكة ويقومون بالتمثيل الصامت تنسيقا مع الحركة، الإيماءة، الإشارة والرقص. من الملفت للانتباه بأن ممثلي المايم عادة ما كانوا من عامة الشعب، ولم تضم أحدا من طبقة النبلاء . الملابس التي يرتدونها تتكون من رداء التونك اضافة الى ارتداء القبعات، والممثلون الذين يمثلون شخصية الانسان الابله (المهرج لاحقا) يرتدون جاكيتا مرقعا ويحلقون رؤوسهم في حين ترتدي بعض الشخصيات الأخرى ملابس المجتمع الراقي . هناك دائما في هذا الفن شخصيات نمطية ثابتة لا تتغير مثل الزوج المخادع، الرجل الشره او الزوج الغبي وملابسها لاتتغيرأيضا وهي شخصيات مضحكة. أما الإكسسوارات فلم تتعد استخدام القبعات او السيف. وعادة يصبح هؤلاء الممثلون مع الوقت مشهورين لهم معجبيهم وينالون الشهرة والمال. وقد سجل الأثر في القرن السادس الميلادي حادثة زواج إحدى مشاهير ممثلات المايم في حينه "ثيودورا" من الإمبراطور "جوستنيان".أما ممثلو البانتومايم فيمتازون بأن لهم أجساما رياضية وبلباس "التونك"الطويل إضافة إلى عباءة تعطيهم الحرية في الحركة.
· خامسا : من الملفت للنظر أن البانتومايم الكوميدي كان قد عاش لفترة قصيرة ثم اندثر وأن البانتومايم لا يعتبر فنا كوميديا بل فن تراجيدي حيث أن مواضيعه غالبا ما تكون مستقاة من الميثلوجيا الإغريقية في حين أن المايم يعتبر فن المسخرة ومواضيعه مستقاة من الحياة اليومية.
عند الرومان سواء كان العرض "مايم" أو "بانتومايم" فإن طقوس العرض تكون على الشكل التالي: تبدأ الاوركسترا بالموسيقى الافتتاحية ثم تظهر الجوقة وبعدها الراقصون ومن ثم ممثلو المايم او البانتومايم ثم يقوم أحد الممثلين مرتديا قناعا له فتحة تناسب الفم بالتعريف عن المسرحية ويعطي شرحا موجزا لقصتها والإعلان عن هذه المشاركة قد يكون على النحو التالي : يحيا القيصر، يحيا الجميع ،باسم القيصر النبيل، اليوم هو اليوم الاول من آب، سنقدم "بانتومايم"من تأليف "ليفس اندرونيكس"تحت عنوان "رومالوس" (Romalus)وسوف تمثل من قبل بيلدس والذي يمثل دور الإله ويرافقه أتباعه وخلال لحظات ستتمكنون من التصفيق لهم جميعا،اشكروا القيصر النبيل. ونلاحظ في هذا الاعلان بأنه قد تضمن اسم الكاتب والممثل، وبعد ذلك تبدأ الجوقة براوية المسرحية ويقوم ممثلو المايم او البانتومايم بتقديم العرض.
هناك نوع آخر طريف من المايم عرف في العهد الروماني وهو"مايم الأموات" ويسمى للذكور ارشيميموس (Archimimus)وللاناث ارشيميما (Archimima)ويتلخص هذا النوع بأنه حين يتوفى لاحد العائلات قريب بقومون باستدعاء الفرق اما النسائية أو الذكورية حسب جنس المتوفي ويقوم هؤلاء الممثلون بارتداء ملابس المتوفى او المتوفاة وتقليد لمحات من حياة الشخص المتوفى في حين يقوم المسؤول عن الفريق الذي يرتدي الملابس السوداء ببعض حركات الرثاء اثناء اداء ممثلي المايم لطقوسهم. هذا النوع يذكرنا بفرق الندب المصرية التي يتم استئجارها حتى يومنا هذا للبكاء والندب على الميت.
نوع آخر حزين لفن البانتومايم: فبالإضافة إلى عروضهم في المسرحيات المنتظمة الا انهم كانوا ايضا يقدمون عروضا في المدرجات الرومانية الرياضية (الأرينا) والتي كما ذكر التاريخ لنا كانت قد اخذت في بعض الاحيان اشكالا دموية لا إنسانية . على سبيل المثال في احد مهرجانات سباق العربات وفي فترةالاستراحة تذكر حادثة لأحد ممثلي البانتومايم والذي كان مجرما حيث كان قد قام بتقليد مشهد عناورفيوس الذي يظهر من الأرض السفلية "ارض الموت" ويعزف الموسيقى وتطرب لعزفه الحجارة والأشجار ويأتون لتحيته وتركع الحيوانات عند قدميه ولكن في نهاية المشهد يتم تقطيع الممثل إلى قطع صغيرة ويتم افتراسه من قبل دب وحشي.
في نهاية العهد الروماني لم يعد هناك تمييز بين هذين النوعين وانما يقدم المايم والبانتومايم كفن منفصل دون مصاحبة الجوقة لهم، ومن هنا اصبح يشار الى هذه الفنون بأنها فن الاداء الصامت مع احتفاظهما بخصوصية كل منهما. ويبقيان حتىيومنا هذايعتبران فن الأداء الصامت باستثناء بريطانيا التي مازال فيها المايم فقط هو فن التمثيل الصامت اما البانتومايم فهو مسرحيات ناطقة مأخوذة من الأساطير والحكايات الخرافية في "ألف ليلة وليلة"مثل "علي بابا و"الأربعين حرامي" أوغيرها مثل"سندريلا" أو "الأميرة النائمة" الخ وهي ما زالت تقدم منذ القرن الثامن عشر وحتى الآن في أعياد الميلاد وغيرها من المناسبات.
مما تقدم ذكره نلاحظ ان هذا النوع من الفن هو فن ترفيهي لم يكسب الاحترام في تلك الحقبة ، ولكن الحال قد تغير منذ منتصف القرن التاسع عشر حيث أصبح هذا الفن يدرس في الجامعات والمعاهد وله قواعده واصوله ومدارسه المتنوعة وجمهور يتوق لرؤية مسرحياته.
المايم والبانتومايم منذ العصور الوسطى ولغاية الان :
تناول المبحث السابق المايم والبانتومايم عند الاغريق والرومان ونستكمل الحديث لنلقي الضوء على كيفة تطور هذا الفن منذ العصور الوسطى ولغاية الان .
من بداية انتشار المسيحية التي تزامنت مع مراحل من الامبراطورية الرومانية وحتى غزو القبائل الجرمانية سنة 476 م، كان ممثلو المايم والبانتومايم علىدرجة عالية في السخرية من رجال الدين المسيحي والمسيحية التي كانت تنتشرفي البدايات سرا ولم تكن قادرة على التصدي لهم . بقي الوضع كذلك حتى بدأت المسيحية تتمتع بالسلطة والقوة، فاخذت في محاربة الممثلين وخاصة ممثلي المايم والبانتومايم وقامت بتحريم التمثيل والزواج منهم أوتسميتهم بأسماء مسيحية وتعميدهم حتى تفرقوا ولم يبق منهم الا القليل الذين عملوا في القرى والأرياف وفي قصور بعض الاغنياء . في تلك الفترة استمرت الالوان المتعددة لملابس ممثلي المايم الرومان كعلامات مميزة للشعراء الرحل، واحتفظت الملابس بسماتها والوانها الرومانية كما تم الاحتفاظ باسلوب الرومان في العروض وان كان على مستوى اقل.
لقد حصل شيء فريد في القرن العاشر الميلادي، فالكنيسة التي كانت تعارض"مفهوم تقليد الحياة" بدأت باستخدام بعض سمات المسرح في عملية مسرحة بعض القصص من الإنجيل لعامة الناس الذين لا يعرفون القراءة :في البداية كانت هذه المسرحيات قصيرة وتعرض داخل الكنيسة، مثال على ذلك مسرحية عن آدم وحواء،ومع أن هذه المسرحية كانت تشتمل على بعض الكلام المنطوق والذي كان يؤدى في الكواليس من احد رجال الدين فإن الفعل والحركة كانا يؤديان باسلوب البانتومايم، وقد خصص ملقن ليقوم بتنظيم الايقاع الزمني بين حركات البانتومايم والكلام المنطوق ، فكانت مفاتيح الحركة والاداء الصوتي في يد الملقن .
ظهر بعد ذلك ما عرف بمسرحيات الاسرار والمعجزات والمسرحيات الاخلاقية حيث إستعان الممثلون غير المحترفين بممثلي المايم والبانتومايم الذين كانوا يتلقون اجورا مقابل اشتراكهم في هذه المسرحيات . ولكن سرعان ما تخلت الكنيسة عن مفهوم المسرحة وتحولت العروض الى خارجها حيث اصبحت النقابات والبلديات هي المسؤولة عن العروض المسرحية.
يجدر الذكر هنا بان هذه المسرحيات والتي امتدت من القرن العاشر الميلادي الى القرن الخامس عشر الميلادي وعلى الرغم من انها كانت خليطا من عقدة رفيعة وقالب كوميدي هابط، الا انها ساعدت على إحياء البانتومايم كوسيلة لرواية قصة ونقل افكار اثناء الترفيه عن الجمهور.
مع مرور الوقت تحول ممثلو المايم والبانتومايم إلى لون آخرفي عصر النهضة :يقول د. احمد زكي في كتابه (اتجاهات المسرح المعاصر - فنون العرض"الجزء الأول") بأنه عند سقوط القسطنطينية سنة 1564 م على يد الأتراك في القرن الخامس عشر الميلادي، هرب ممثلو المايم البيزنطيون من المدينة الى اوروبا، وعليه فقد وصل إلى ايطاليا مزيج من المسرح الديني والبانتومايم البيزنطي وجمع غفير من المغنين الرحل الذين ابتدعوا شكلا جديدا هو "الكوميديا دي لارتي" أي الكوميديا المرتجلة وهي بإيجاز نوع مسرحي يعتمد على الممثل وارتجاله لدوره حيث يتمتع هذا الممثل بقدرات عالية من الحيل والبهلوانيات والاكروبات والبانتومايم وسرعة البديهة واللياقة الجسدية ،ولها شخصيات ثابتة مثل: "هارلكوين" و"بنطلون" و"بدرلينو" و"الكابتن" وهدفها فقط الاضحاك، وتعتمد قصصها على قصص الحب والخيانة الزوجية.
لقد عاد فن البانتومايم ليأخذ مكانه في هذا النوع من المسرحيات والتي استمرت ما يقارب مائتي عام وأصبحت هذه العروض تقدم في جميع انحاء اوروبا، ولكن المنافسة بين هذا النوع من الفن وفنون مسرحية اخرى مثل الكوميديا الفرنسية وفن الباليه كانت قد اشتدت إلى درجة أن القائمين على هذه الفنون قاموا بالتدخل مع السلطات الحاكمة واقناعهم بأن تقدم فرق الكوميديا دي لارتي مسرحياتها بلا حوار، وبالفعل نجحت كل من فرق الكوميديا الفرنسية وفن الباليه من استصدار قانون يمنع هذه الفرق من استخدام الحوار في مسرحياتها. مثال على ذلك فرقة الممثلين الايطاليين الذين طردهم ملك فرنسا لويس الرابع عشر عام 1697 في باريس وتم نفيهم إلى الضفة الأخرى من نهر "السين" والذين حصلوا فيما بعد على تصريح للتمثيل شريطة ان لايتكلم احد منهم إلى أن تم رفع الحظر عنهم في عام 1716 موعادوا إلى باريس مرة أخرى وقوبلوا بالترحيب.
لقد تعرضت الكثير من مسارح الاسواق لهذه الضغوط ولعل اغرب قيد فرض على الممثلين كان إجبارهم على تأدية ادوارهم خلف ستارة من الشاش الرقيق . ويروى عن الممثل "بلانشيه فالكور" انه عندما سمع أن الجماهير قد اقتحمت الباستيل في يوم 14/7/1789 اندفع بدوره ممزقا الستارة - الشاش وصاح: تحيا الحرية.
تم السماح بعد الثورة في فرنسا لاقامة المسارح مما ادى الى اضافة الحوار والغناء على عروض البانتومايم، الامر الذي ادى الى نشوء فن هجين سمي الميلودراما.
في القرن التاسع عشر وتحديدا في عام 1807 عاد نابليون الى فرض القيود على المسارح فبدأ نجم "جان جاسبار دبرو" في التألق في مسرح البهلوان حيث قدم شخصية شهيرة وهي"بابتست" وهي شخصية مستمدة من شخصية بيرو في الكوميديا دي لارتي وهو شخص نحيل، شاحب الوجه، رجل لكل المواقف، ويتورط في اوضاع خيالية لا معقولة. كان "ديبرو"هو أول من استخدم القناع الابيض (الماكياج) بدل نصف القناع المستخدم في الكوميديا دي لارتي في عام 1800م، ومن الجدير هنا ان انوه بأن استخدام الماكياج الابيض قد تم توظيفه لغايتين: الأولى أنه يعمل على تضخيم تعابير الوجه وايصالها الى اكبر عدد من الجمهور، والثانية ان هذا الماكياج كقناع يوفر الفرصة لممثل البانتومايم أن يقدم شخصيات مختلفة . لقد استمرت الأسرة المسرحية التي أنشأها "ديبرو" حتى عشرينيات القرن العشرين مع ان القيود المفروضة على الكلام كانت قد رفعت في حياته . وبين المنع وفك القيد وجد هذا النوع من الفن مساره، وأصبح له منظروه وقائمون عليه الى يومنا هذا.
في بداية القرن العشرين لم يعد هذا النوع من الفن مرغوبا به، وتم استبداله بفن"الفودفيل" الذي استقطب عددا اكبرمن الجمهور. ولكنتجدر الإشارة هنا إلى أن السينما التي بدأت عام 1896م واستمرت في تقديم الأفلام الصامتة حتى عام 1930 قد اعتمدت في تلك المرحلة الصامتة على ممثلي المايم لقدرتهم على توصيل المعلومات من خلال الجسد والاشارة والايماءة ومنهم كما نعرف الممثل الشهير "شارلي تشابلن"الذي أعاد تجسيد شخصية"بيرو"من مسرحيات "جان ديبرو" المستقاة من "الكوميديا دي لارتي" حيث أطلق عليها تشابلن اسم"الجوال الصغير" وهوشخص متواضع، مفلس دائما ، ولكنه متفائل ويقع باستمرا في مشاكل ولكنه يحاول أن يحصل على أفضل ما يمكن من كل ما يقع فيه . كانت أفلام "تشابلن"ناجحة جدا في حينها وما زالت تستقطب الجمهور حتى يومنا هذا.
كان نادرا ما يعرض المايم في المسارح حتى1920م، إلا انه كان يدرس في بعض المدارس المسرحية وأهمها في حينه مدرسة الفرنسي "جاك كوبو". تم تلخيص أهم ما جاء به كوبو في كتاب"فن المايم والبانتومايم"تأليف "توماس ليبهارت"ترجمة بيومي قنديل ويعرفنا فيه بأن كوبو قد ولدعام 1879م ودرس في جامعة السوربون، وبقي يعمل ناقدا مسرحيا حتى سن الثالثة والثلاثين حيث بدأ "كوبو" في حينها يثور على ضحالة المسرحيات التي كانت تقدم آنذاك وكان يبحث عن مسرح راق قادر على إنتشال الجمهور من التردي الثقافي والأخلاقي، لقد انصب اهتمامه على كيفية انقاذ المسرح حتى ترسخت لديه القناعة بأن انقاذ وتجديد المسرح لن يتأتيا الا من خارجه. كان أكثر ما يسيء الى "كوبو"من مشاهدة المسرحيات الميلودرامية هو أن الممثلين يعبرون عن انفسهم من خلال الصوت وتعبيرالوجه بينما تخلد أجسادهم إلى السكون.
إعتمد "كوبو"منهجا يدعو الى التجديد عوضا عن الثورة وكان الامر عنده العودة الى امجاد اليونان و"الكوميديا دي لارتي" والمسرح "الاليزابيثي" وكان يرى انه من الضروري العودة إلى الرحم الذي خلق وتفاعل فيه المسرح ، فكان أول ما فعله بالنسبة للتجديد هو اعتماد فضاء خال مفتوح غير مسقوف لتقديم العرض وصاغ معادلة في مجال النشاط الانساني (الاقل هو الاكثر) حيث رأى ان تقليص المسرح الى ابسط عناصره قد ينقيه ويقويه . وهو الذي أسس أول دار لعروض المسرح من خلال استلهام تقاليد الماضي فقد انشأ "كوبو"عام 1913م مسرحا سمي "الكولمبي العجوز" وكانت ميزة هذا المسرح ان العقول التي تقف وراءه ليست مسرحية.
كان "كوبو"يختار ممثليه بعناية فائقة وأهمهم "دلانه" و"جوفيه" وقدم معهم عروضا لاقت رواجا في موسم 1913-1914 ولكن بسبب انخراط معظم ممثليه في الجندية إبان الحرب العالمية الاولى تم توقف نشاط المسرح وقام "كوبو" بانتهاز الفرصة لزيارة "جوردون كريج" و"جاك داكروز" و"أدولف أبيا" الذين كانوا يعتبرون من كبار الحالمين بعوالم جديدة. كانت نتيجة هذه الزيارات اتفاقهم جميعا على رغبتهم في ادخال تجديد شامل على المسرح على الرغم من ان وجهات النظر لم تكن متطابقة في جميع النواحي. استفاد "كوبو"من "كريج" في موضوع الاقنعة وخشبة المسرح العارية ومن "ابيا" في موضوع الاضاءة ومن "داكروز" في موضوع التدريب الجسدي للممثل.
بعد الحرب عاود نشاطه مع طلابه وتم التركيز في المعهد من خلال التدريبات على أهميةالارتجال الذي لم يكن مسموعا به لدى احد في ذلك الوقت. من أهم غايات الارتجال إطلاق الطاقات الإبداعية لدى الممثل حتى يتجاوز التحكم الديكتاتوري المفروض على الممثلمن قبل المخرجين والمؤلفين، وذلك ليكتشف المرونة العقلية والجسدية التي تمتع بها اسلافه من ممثلي "الكوميديا دي لارتي". اراد "كوبو" أن يساهم الممثلون بصورة متساوية مع المؤلف والمخرج: إذ ان الممثل هو الذي يقوم بالدور في نهاية الامر وهو المناط به اكتشاف ابعاد الدور بصورة مباشرة بينما يجلس كل من المؤلف والمخرج عادة على مقعديهما.
هذا لايعني أن "كوبو" قد تجاهل دور الكلام ولكنه كان واعيا ومعنيا بضرورة أن تأتي الكلمة المنطوقة واللفظ كذروة للفكرة التي ملأت كيان الممثل وكتتويج لحالته الداخلية وتعبيره الجسدي الذي يترجمها.
بالإضافة إلى التدريبات كان على الممثل ان ياخذ محاضرات في الباليه الكلاسيكي وعن الجهاز الصوتي والإلقاء والخطابة والجوقة الكلاسيكية والأزياء والفلسفة والأدب والشعر والمايم الجسدي وفن "النو" الياباني والغناء والنحت وتاريخ الموسيقى.
المايم الجسدي عند "كوبو" :
أطلق عليه طلاب كوبو "القناع" نظرا لانهم كانوا يرتدون اقنعة خالية من التعبير - في البداية لم يكن القناع يزيد عن "ايشارب" موضوع على وجوههم - اما الجسد فكان عاريا الى الحد الذي يسمح به الحياء السائد آنذاك. إن تغطية الوجه كانت تعني ان باقي الجسد قد أصبح عليه أن يأخذ على عاتقه الدور الذي كان منوطا بالوجه وقد ادت هذه الفرضية الى ولادة المايم الحديث.
كان الطلاب يرتجلون احداثا بسيطة مثل حركة بعض الماكينات او شخص يطرد ذبابة او سيدة تخنق ضاربة الرمل. كانت طريقة التمثيل اشبه بالحركة البطيئة للفيلم فقد كان بطء التمثيل هو البطء في الاتيان باشارة واحدة تؤلف في حد ذاتها عشرات الاشارات الاخرى في تركيبة مضفورة.
قدم طلاب المعهد في نهاية الفصل عرضا امام الجمهور وهناك كانت البداية الحقيقية للمايم الحديث:كان العرض يتألف من مايم واصوات وقد مضى العرض دون أية كلمة أو ماكياج أو أزياء أو مؤثر صوتي ودون لوازم التمثيل المعتادة. كان العرض مشكلا من حركات بطيئة وجمود حركي طويل شمل حركات متفجرة يعقبها جمود وتفجر حركي وكانت هذه السمات ذاتها ملازمة للاداء التمثيلي الذي كان يقوم به "كوبو".
لقد شعر "كوبو" أن دراسة الأقنعة لا غنى عنها في إخراج الصراعات الداخلية الملازمة للدراما، واهتدى الى ان درجة معينة من الحياد الذهني والجسدي تعتبر افضل نقطة يستطيع ان ينطلق منها الفرد الى هذا الهدف. كان إستخدام الاقنعة الذي إعتمده "كوبو" كتقنية أسلوبا جديدا لم يعرفه احد من قبله، كان مؤكدا لدى "كوبو" أن استخدام الأقنعة تفصل الممثل عن العالم الخارجي فيبذل الممثل صبرا في سبيل التركيز للوصول الى حالة الفناء (الحالة التي تلغي ذاته) والتي يغدو الممثل من لحظتها قادرا على العودة مرة اخرى الى الحياة كي يتصرف بصورة درامية جديدة.
يتلخص جوهر التعاليم التي ناضل "كوبو"من اجلها بالتالي: "يجب على الممثل ان يعرف كيف ينصت وكيف يجيب، وكيف يظل جامدا دون حراك وكيف يبدأ ايماءة ما وكيف يستمر معها ومن ثم يعود الى حالة الجمود الحركي والصمت بكل ما تنطوي عليه كل هذه الافعال من ظلال ومن انصاف درجات اللون".
في نهاية الحديث عن "كوبو"لا بد من التنويه بأنهذا الرجل كان يبحث عن مسرح يعتبرالفن في ارقى اشكاله تعبيرا عن دين ما. لقد رأى كوبو المسرح في عصره قد شارف على السقوط فاستشعر ضرورة انه يجب ان ينهض ليعيد المسرح إلى وضعه المقدس فاخذ يهدر مثل الرعد ضد التراخي والتهاون الشخصي والمهني.
في عام 1923م التحق في معهد "كوبو"طالب جديد كان له تأثير كبير على تطوير فن المايم وهو الفرنسي" ايتيان ديكرو" حيث قام بتطوير فن جديد اسماه"المايم الجسدي" وقد طور ديكرو نظريات كثيرة وتقنيات لهذا الفن ومن اهمها القدرة على عزل اجزاء الجسد، اي ان الممثل يستطيع على سبيل المثال ان يعزل الرقبة او الصدر او الورك ويتحكم بهما بشكل منفصل عن باقي الجسد ، وقد طور عددا كبيرا من خطوات وحركات ديناميكية الإيقاع ومصممة هندسيا حيث كان لهذه الحركات المعزولة الاثر الكبير على الحركة التشكيلية التكعيبية، وكان لدى " ديكرو" تلميذان ذاع صيتهما ونالا حظا وافرا من الشهرة وهما على التوالى "جان لوي بيرو"و"مارسيل مارسو". "بيرو"عمل مع "ديكرو"لمدة سنتين في تطوير هذا الفن وقد ظهر في فيلم " الفردوس المفقود" عام 1946م حيث قدم فيه شخصية "ديبرو"الممثل الشهير للبانتومايم في القرن التاسع عشر الذي أتينا على ذكره سابقا ولكن "بيرو"بعد هذا الفيلم بفترة قصيرة توقف عن تمثيل المايم واصبح من اهم ممثلي المسرح والسينما العالمية.
أما "مارسيل مارسو" على الرغم من انه كان قد تتلمذ على يد "داكرو" الذي كان بدوره تلميذ "جاك كوبو" الذي تعرضنا لنظريته في تدريب الممثل بتغطية وجهه بالقناع كي يرتقي بجسده الى آفاق اعرض في مجال القدرة على التعبير والتي تعتبر اساس ولادة المايم الحديث، إلا أنه "مارسيل مارسو" اعتمد مذهب "جان جاسبار ديبرو" من القرن التاسع عشر وتابعيه الذين إعتمدوا التركيز الاساسي على الوجه واليدين حيث يتم بذل جهد مضاعف للتعويض عن غياب اللغة المنطوقة التي كان قد جرى حظرها.
لا نستطيع تفسير فن "مارسو"تلميذ "داكرو" ابن القرن العشرين الذي فضل أن يحتذي بمؤدي البانتومايم في القرن التاسع عشرإلا بعد أن نتعرف على هذا الفنان ببعض التفصيل.
ولد "مارسو"في "ستراسبورج" وبعدها انتقلت اسرته الى "ليل" في فرنسا ولاحقا الى "ليموج" لدى اندلاع الحرب العالمية الثانية. شغل في باريس وظيفة مدرس مسرح في مدرسة للاطفال وكان يعمل كمدرس أيضا "أيليان جويون" الذي كان في نفس الوقت طالبا في معهد "إيتيان داكرو" احد تلامذة "جاك كوبو" واستاذ مارسو لاحقا.لم يمض وقت طويل حتى التحق مارسو بالمعهد والتقى "داكرو" و"جان لوي بيرو" ودرس مارسو على يد "داكرو" وفق قاعدة مدرس واحد لكل تلميذ.
التحق مارسو عام 1946 بفرقة "بيرو" واشترك بعد تقديم "داكرو" له ليؤدي دور المهرج في مسرحية "المعمداني" ذلك البانتومايم الذي ابدعه "بيرو" عقب النجاح الذي حازه فيلم "اطفال الفردوس". في عام 1947 ظهرت الى النور شخصية "بيب" التي اخترعها مارسو او اشتقها من رواية للكاتب تشارلز دكنز (التوقعات الكبيرة) وقام بادائها على احدى ضفاف نهر "السين" في باريس بينما كان لا يزال يؤدي على الضفة الاخرى دور المهرج في مسرحية "المعمداني". لاحقا انتهى عمل "مارسو"مع "داكرو" بعد ان تغلب على "مارسو"الميل للأداء على الدراسة.
قام "مارسو"بتشكيل فرقته الخاصة وكان يؤدي اداءا منفردا اضافة الى العمل مع فرقته والذي كتب واخرج لها اكثر من خمسة وعشرين عملا ميمودراميا. أولى مسرحياته كانت "المحكمة" حيث لعبت فيها المحاكاة الصوتية للطبيعة والجرس واللفظ غير الناطق دورا يوازي في اهميته دور حركات الجسد وتعبيرات الوجه.
في عام 1955 وبعد عدة سنوات من التجوال الناجح في اوروبا، عرض "مارسو"لمدة أسبوعين في مسرح "فونكس" في نيويورك وقد إمتد إرتباطه مع هذا المسرح بعد ان حقق نجاحا باهرا. عرض ايضا في مسرح المدينة في "برودواي" لمدة ستة شهور وهو رقم قياسي لفنان. بدأ يمثل خلال هذه الفترة للتلفزيون مما فتح له ابواب الشهرة على نطاق واسع وبعد العروض في "نيويورك" قام بجولة في الولايات المتحدة وكندا. لقد واكب هذا النجاح الجماهيري نجاحا على المستوى النقدي ولم يخل الامر من تعرضه للهجوم من قبل مجموعة صغيرة من النقاد الذين قالوا ان مسرحيات البانتومايم التي يقدمها "مارسو"وان كانت تصويرات لملاحظات ذكية يستطيع المرء ان يستمتع بها لبساطتها ورقتها إلا انها تفتقر الى المعنى الخلاق.نقل مقلدوه وهم جيش جرار توليفته الناجحة كربونيا دون ان يفطنوا الى ضرورة الوقوف مثله على اسس ودراسة المايم الجسدي التي مكنته مع قدراته الفطرية على تحقيق انجازاته.
كان "مارسو"من ابرز ممثلي المايم في عصره ومع ذلك لم يدع مطلقا أن فنه انبثق من عناصر الحداثة التي اسسها "كوبو" وتلميذه "داكرو" مع أننا نعلم أن "مارسو"قد تتلمذ على يد "داكرو". كان يدهن وجهه بالابيض وكان وضع جذعه مائلا نوعا ما الى الخلف وكأنه في وضع الجالس، كان ايضا يمد وجهه ويديه بشكل متناظر نحو الجمهور فقد كان يركز على الاطراف اكثر من تركيزه على الجسد.
نلاحظ مما سبق ان هذه الاسس لا تمت بصلة الى البانتومايم الحديث، ولكنها تستند تماما الى التقاليد الغربية التي تم توظيفها في "الكوميديا دي لارتي" والفيلم الامريكي الصامت، لاننا نعرف ان المايم الحديث قد تأثر وتشبع بمؤثرات شرقية وإفريقية وان معظم اعمال الحداثة كانت قد انطوت على إزدراء البرجوازية وتحدي فرضياتها من خلال اللجوء الى الصور والبيانات الفوضوية - الاشتراكية - السيريالية، ولكن "مارسو"قد واظب على التشبت باحضان الصفوة الثقافية العالمية فعوضا من ان تأتي اعماله لتتحدى الوضع الراهن على الاصعدة السياسية والاجتماعية، جاءت اعماله تصديقا واقرارا بهذا الوضع.
هنا وعند هذا المنحى بالتحديد يختلف "مارسو" ايضا مع "ديبرو" من القرن التاسع عشر الذي من المفروض انه قد تتبع خطاه. "ديبرو" استطاع دون اللجوء للكلام ان يعلق على نقاط الضعف لدى السلطات الحاكمة وعلى المظالم التي عانى منها في حين ان مارسو اختار الصمت واستخدمه في تصوير قصص خلابة حول قصص حكومية معاصرة واناس يمشون بسلام ويبيعون البالونات.
في الختام نلاحظ أن البانتومايم موجود منذ بداية الخليقة من خلال تواصل البشر بالإشارات والطقوس، ولكنه اكتسب معنى وشكلا أخر عند ابتكار الدراما على يد الاغريقيين، ويعزى تطوره للرومان حين اخذ المفهوم يتبلور بمعنى درامي واضح، وعلى الرغم من ان الكنيسة حاولت القضاء عليه الا انها عادت ولجأت اليه في محاولة لتوصيل معلومات عن الكتاب المقدس لرعاياها الأميين.
عاد الايمائيون في القرون الوسطى ليطهروه من خلال مسرحيات الاسرار والمعجزات والمسرحيات الأخلاقية، وفي عصر النهضة كان تطوير فن البانتومايم كبيرا من خلال مسرحيات "الكوميديا دي لارتي". غاب هذا الفن عن عصر "شكسبير" في القرن السابع عشر ليعود وينتشر من جديد في القرن الثامن عشر والى بداية القرن العشرين حين أعيد البحث في البانتومايم فظهرت المدارس التي تدرسه كفن راق بعد أن كان يحمل صفة الابتذال . كانت فرنسا هي الرائدة في ذلك من خلال روادها "كوبو"و"داكرو"و"مارسو"وغيرهم.هو أحيانا فن التمثيل الصامت واحيانا اخرى هو فن يصاحبه الكلام والموسيقى والمؤثرات باستثناء انجلترا التي ما زال المايم فيها هو فن التمثيل الصامت والبانتومايم هو فن التمثيل الناطق.
الموضوع منقول للإفادة
الموضوع منقول للإفادة